فورلان أم مولر أم إنييستا؟ إذا كان هناك نجم أوحد في النسخة
الأخيرة من كأس العالم FIFA، فإنه ليس واحداً من تلك الأسماء اللامعة في
عالم المستديرة الساحرة، بل هو كائنٌ من فصيلة الرخويات يقبع في مكان يبعد
أكثر من خمسة آلاف ميل عن قلب الحدث في القارة السمراء.
ففي نهاية المنافسات ورغم المشاركة المظفرة لإنييستا
وزملائه، إلا أن أحداً منهم لم يكن أداؤه في جنوب أفريقيا خالياً من
الأخطاء. أما بول الأخطبوط ورغم أن أياً من أقدامه، أو بالأحرى مجسّاته،
لم تطأ المستطيل الأخضر، إلا أنه لم يرتكب أي خطأ طوال البطولة وصعد نجمه
بسرعة صاروخية انتهت بحرب شرسة لشرائه.
وبالنسبة لمن لا يعرفون مصدر كلّ هذه الجلبة، نقول لهم
أنه الأخطبوط الشهير بول الذي تنبأ بالنتيجة الصحيحة لثماني مباريات
متتالية، من الجولة الأولى في مرحلة المجموعات وصولاً إلى المباراة
النهائية. وتمثلت الطريقة التي اتبعها أشهر نزلاء "مركز أوبرهاوزن للحياة
البحرية" في إعلان توقعاته بالتهام بلح البحر من أحد صندوقين وُضع على
كلٍّ منهما علم إحدى الدولتين المتنافستين. ونتيجة صوابية تنبؤاته، بدأت
قنوات تلفزيونية عديدة في أرجاء أوروبا ببث توقعاته على الهواء مباشرة،
بينما احتلت كلمتا "بول الأخطبوط" و"بولبو" (التي تعني أخطبوط باللغة
الأسبانية) صدارة الكلمات التي يتم تداولها عبر الإنترنت، وكانت ضمن
المراتب العشر الأولى على قائمة Twitter الأكثر شعبية في أرجاء العالم.
ولم تأتِ شعبية بول في أرجاء العالم فقط من توقعاته
الصحيحة بنسبة 100%. فبعد أن أصاب في تنبؤاته حول نتائج أول أربع مواجهات
لألمانيا في البطولة، توقع هذا الأخطبوط الفريد أن يهزم فريق يواكيم لوف
منتخب دييجو مارادونا، وكان ردّ فعل نيكولاس بيدورّو أحد أشهر الطهاة في
الأرجنتين على ذلك أن نشر على صفحته في موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي
وصفة لطريقة طهي الأخطبوط. لكن الأسوأ كان بانتظار هذا الحيوان المسالم،
فبعد أن كانت الجماهير الألمانية تخطب ودّ بول، انقلبت عليه بين ليلة
وضحاها بعد أن تنبأ بخسارة الماكينات في نصف النهائي على يد أسبانيا، حيث
صدحت في مهرجان برلين للمشجعين FIFA أغان معادية لهذا الأخطبوط، وتصدرت
الصفحات الرئيسية للصحف الألمانية عناوين مثل "فلنضعه في المقلاة" إلى
جانب دعوات برميه في حوض أسماك القرش.
وبينما كان بول يوصف بأنه "خائن" في ألمانيا، تحوّل إلى بطل قومي في أسبانيا، وخاصة بعد تنبؤه بفوز لا روخا
بلقبه الأول في كأس العالم FIFA. حتى أن رئيس الوزراء الأسباني خوسيه لويس
رودريجيز ثاباتيرو تعهّد مازحاً بإرسال فريق خاص لحراسة رمز كرة القدم
الغريب هذا، بينما وعدت وزيرة البيئة إلينا إسبينوزا بحماية بول وفق
قوانين حظر صيد الكائنات المائية.
وبدأت العروض تنهال بعد ذلك لشراء بول من رجال أعمال
أسبان، وتم التخطيط لتنظيم مهرجان صيفي يحمل اسم هذا الأخطبوط الظريف،
بينما ارتدى الكثير من مناصري إنييستا وزملائه قمصاناً واعتمروا قبعات
تحمل صورة بطلهم الجديد. حتى أن بعضهم ذهب إلى حدّ المطالبة بالتوقف عن
جعل الثور رمزاً وطنياً للبلاد واستخدام الأخطبوط بدلاً منه.
كما اندلع جدلٌ حاد حول جنسية بول مع قرب إسدال الستار
على البطولة، حيث أعلن مدربه الألماني أنه تم صيده في المياه الإقليمية
الإيطالية، ولم يتم استيلاده في "مركز الحياة البحرية الإنجليزي" وهو ما
تناقلته الأنباء أول الأمر. حيث قالت صحيفة توتّوسبورت الرياضية في صفحتها الأولى "اسم الأخطبوط هو باولو!"، بينما أشارت صحيفة كورييرا ديلا سيرا الواسعة الانتشار أن هذه الأخبار عن جنسية بول تمثل "جائزة ترضية صغيرة لإيطاليا في نهاية بطولة لم تمنح الآزوري سوى قسط يسير من البهجة."
وحتى بعد إسدال الستار على جنوب أفريقيا 2010 وإعلان
"مركز أوبرهاوزن للحياة البحرية" أن بول سيُحال إلى التقاعد في ذروة شهرته
"وسيعود إلى عمله السابق المتمثل بإضحاك الأطفال"، استمرت فصول الإثارة
المحيطة به. حيث أعلنت حديقة مدريد للحيوانات عن رغبتها بضمّ بول إلى
نزلائها. وأعربت المتحدثة باسم الحديقة أمبارو فيرنانديز عن الرغبة
بامتلاك الأخطبوط كتقدير للفريق الأسباني المظفّر وأضافت: "لقد جلبوا لنا
كأس العالم، وسنجلب لهم بول. إنه رمز انتصارنا في هذه البطولة."
لكن رغم اقتراح تقديم عدة حيوانات بدلاً منه وعروض
الشراء المجزية، إلى جانب مسعى شركة مراهنات روسية لشرائه، يبدو أن بول
باقٍ في ألمانيا. حيث أعلنت يوم أمس كيرستين كويهن المتحدثة باسم مركز
الحياة البحرية: "إن أمر بيع بول أو إعارته غير مطروح على الإطلاق. حيث
سيتمتع إلى أقصى الحدود بمرحلة تقاعده في أوبرهاوزن التي يستحقها."
يبدو إذاً أن بول سيبتعد بهدوء عن أضواء الشهرة ويترك
خبراء الحياة البرية وجماهير المستديرة الساحرة على حدّ سواء في حيرة من
أمرهم عن الطريقة التي نجح من خلالها أخطبوط صغير في التحوّل إلى أسطورة
في عالم كأس العالم FIFA.
منقوووووووول